فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان يذكر في شعره الثواب والعقاب واسم الله وأسماء الأنبياء، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «كاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم» وروي عن أمية أنه قال لما مرِض مَرض موته «أنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد».
فمعنى {آتيناه آياتنا} أن الله ألهم أمية كراهية الشرك، وألقى في نفسه طلب الحق، ويسّر له قراءة كتب الأنبياء، وحّبب إليه الحنيفية، فلما انفتح له باب الهدى وأشرق نور الدعوة المحمدية كابَر وحسَد وأعرض عن الإسلام، فلا جرم أن كانت حاله أنه انسلخ عن جميع ما يُسر له، ولم ينتفع به عند إبان الانتفاع، فكان الشيطان هو الذي صرفه عن الهدى فكان من الغاوين، إذ مات على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن المسيب نزلت في أبي عامر بن صيفي الراهب، واسمه النعمان الخزرجي، وكان يلقب بالراهب في الجاهلية لأنه قد تنصّر في الجاهلية، ولبس المسوح وزعم أنه على الحنيفية، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد ما الذي جئت به قال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال فإني عليها فقال النبي لست عليها لأنك أدخلت فيها ما ليس منها» فكفر وخرج إلى مكة يحرّض المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ويخرج معهم، إلى أن قاتل في حُنين بعد فتح مكة، فلما انهزمت هوازن يئس وخرج إلى الشام فمات هنالك.
وذهب كثير من المفسرين إلى أنها نزلت في رجل من الكنعانيين، وكان في زمن موسى عليه السلام يقال له: بلعام بن باعُور، وذكروا قصته فخلطوها وغيروها واختلفُوا فيها، والتحقيق أن بلعام هذا كان من صالحي أهل مَدْيَن وعرّافيهم في زمن مرور بني إسرائيل على أرض مُؤاب ولكنه لم يتغير عن حال الصلاح، وذلك مذكور في سفر العدد من التوراة في الاصحاحات (22 23 24) فلا ينبغي الإلتفات إلى هذا القول لاضطرابه واختلاطه.
والإيتاء هنا مستعار للإطْلاَع وتيسير العلم مثل قوله: {وآتاه الله الملك والحكمة} [البقرة: 251].
والآيات دلائل الوحدانية التي كرّهت إليه الشرك وبعثته على تطلب الحنيفية بالنسبة لأمية بن أبي الصلت، أو دلائل الإنجيل على صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالنسبة للراهب أبي عامر بن صيفي.
والانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يُسلخ عنه جلده، والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده، واستعير في الآية للانفصال المعنوي، وهو ترك التلبس بالشيء أو عدم العمل به، ومعنى الانسلاخ عن الآيات الإقلاع عن العمل بما تقتضيه، وذلك أن الآيات أعلمته بفساد دين الجاهلية.
وأتْبعهُ بهمزة قطع وسكون المثناة الفوقيه بمعنى لحقة غير مُفلت كقوله: {فأتبعه شهابٌ ثاقب} [الصافات: 10] {فأتبعهم فرعون بجنوده} [طه: 78] وهذا أخص من اتّبعه بتشديد المثناة ووصل الهمزة.
والمراد بالغاوين: المتصفين بالغي وهو الضلال {فكان من الغاوين} أشد مبالغة في الاتصاف بالغواية من أن يقال: وغوى أو كان غاويًا، كما تقدم عند قوله تعالى: {قد ضَلَلْت إذًا وما أنا من المهتدين} في سورة الأنعام (56).
ورتبت أفعال الانسلاخ والاتباع والكون من الغاوين بفاء العطف على حسب ترتيبها في الحصول، فإنه لما عاند ولم يعمل بما هداه الله إليه حصلت في نفسه ظلمة شيطانية مكنت الشيطان من استخدامه وإدامة إضلاله، فالانسلاخ على الآيات أثرٌ من وسوسة الشيطان، وإذا أطاع المرء الوسوسة تمكن الشيطان من مقاده، فسخره وأدام إضلاله، وهو المعبر عنه بأتبعه فصار بذلك في زُمرة الغواة المتمكنين من الغواية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}.
ولأنهم قالوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ}، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا خبر هؤلاء فيقول: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فانسلخ مِنْهَا}.
والنبأ هو الخبر المهم وله جدوى اعتبارية ويمكن أن ننتفع به وليس مطلق خبر. ولذلك يقول سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النبإ العظيم} [النبأ: 1- 2].
كما يقول: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا}، كأن هذا النبأ كان مشهورًا جدًّا، ويقال: إنه قد قيل في ابن بعوراء أو أمية بن أبي الصلت، أو عامر الراهب، أو هو واحد من هؤلاء، والمهم ليس اسمه، المهم أنّ إنسانًا آتاه الله آياته ثم انسلخ من الآيات، فبدلًا من أن ينتفع بها صيانة لنفسه، وتقربًا إلى ربه {فانسلخ مِنْهَا} واتبع هواه ومال إلى الشيطان.
وكلمة انسلخ دليل على أن الآيات محيطة بالإنسان إحاطة قوية لدرجة أنها تحتاج جبروت معصية لينسلخ الإنسان منها؛ لأن الأصل في السلخ إزاحة جلد الشاة عنها، فكأن ربنا يوضح أنه سبحانه وتعالى أعطى الإنسان الآيات فانسلخ منها، وهذا يعني أن الآيات تحيط بالإنسان كما يحيط الجلد بالجسم ليحفظ الكيان العام للإنسان؛ لأن هذا الكيان العام فيه شرايين، وأوردة، ولحم، وشحم، وعظام. وجعل الله التكاليف الإيمانية صيانة للإنسان، ولذلك سمي الخارج عن منهج الله فاسقًا مثله مثل الرطبة من البلح، فبعد أن تضرب الشمس البلحة يتبخر منها بعض من الماء، فتنكمش ثمرة البلحة داخل قشرتها وتظهر الرطبة من القشرة، ولذلك سمي الخارج عن المنهج فاسقًا من فسوق الرطبة عن قشرتها، والله عز وجل يقول هنا: {ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا}. وكان يجب ألا يغفل عنها، لأن الإتيان نعمة جاءت ليحافظ الإنسان عليها، لكن الإنسان انسلخ من الآيات.
ونعرف جميعًا ثوب الثعبان وهو على شكل الثعبان تمامًا، ويغير الثعبان جلده كل فترة، ولا ينخلع من الجلد القديم إلا بعد أن يكون الجلد الذي تحته قد نضج، وصلح لتحمل الطقس والجو، وكذلك حين يندلق سائل ساخن على جلد الإنسان، تلحظ تورم المنطقة المصابة وتكون بعض المياه فيها، وله أفرغ الإنسان هذه المياه تصاب هذه المنطقة بالتهاب، أما إذا تركها فهي تحمي المنطقة المصابة إلى أن يتربى الجلد تحتها وتجف وتنفصل عن الجسم، وكذلك نعلم أن الشاة- مثلًا- لا تسلخ نفسها. بل نحن نسلخها، والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار...} [يس: 37].
فكأن الليل كان مجلدًا ومغلفًا بالنهار، والليل أسود، والنهار فيه الضوء، ونعلم أن اللون الأسود ليس من ألوان الطيف، وكذلك اللون الأبيض ليس من ألوان الطيف؛ لأن ألوان الطيف: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، البنفسجي، واللون الأسود يأخذ ألوان الطيف ويجعلها غير مرئية، لأنك لا ترى الأشياء إلا إذا جاءت لك منها أشعة لعينيك، واللون الأسود يمتص كل الأشعة التي تأتي عليه فلا يرتد إلى العين شعاع منها فتراه مظلمًا.
والأبيض هو مزيج من ألوان متعددة إن مزجتها مع بعضها يمكنك أن تصنع منها اللون الأبيض، وهكذا نعلم أن الأبيض مثله مثل الأسود تمامًا، فالأسود يمتص الأشعة فلا يخرج منه شعاع لعينيك، والأبيض يرد الأشعة ولا يخرج منه شعاع لعينيك. وقوله الحق: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} كأن سواد الليل جاء يغلف بياض النهار.
وإذا انسلخ من آتاه خبر الإيمان عن المنهج يقول الشيطان: إنه يصلح لأن يتبعني، وكأن الشيطان حين يجد واحدًا فيه أمل، فهو يجري وراءه مخافة أن يرجع إلى ما أتاه الله من الكتاب الحامل للمنهج، ويزكي الشيطان في نفس هذا الإنسان مسألة الخروج عن منهج ربنا.
وقلنا من قبل: إن المعاصي تأتي مرة من شهوة النفس، ومرة من تزيين الشيطان وأوضحنا الفارق، وقلنا: إن الشيطان لا يجرؤ عليك إلا إن أوضحت للشيطان سلوكك أن له أملًا فيك، لكن إن اهتديت وأصلحت من حالك فالشيطان يوسوس للإنسان في الطاعة ويحاول أن يكرهه فيها، والشيطان لا يذهب- مثلا- إلى الخمارة، بل يقعد عند الصراط المستقيم ليرى جماعة الناس التي تتجه إلى الخير، أما الاخرون فنفوسهم جاهزة له. إذن فالشيطان ساعة يرى واحدًا بدأ في الغفلة عن الآيات فهو يلاحقه مخافة أن تستهويه الآيات ثانية، ولذلك لابد لنا أن نفرق بين الدافع إلى المعصية هل هو من النفس أم من نزغ الشيطان، فإن جاءت المعصية وحدثتك نفسك بأن تفعلها ثم عزت عليك تلك المعصية لأي ظرف طارئ ثم ألححت عليها ذاتها مرة ثانية، فاعلم أنها شهوة نفسك. لكن إن عزت عليك ثم فكرت في معصية ثانية فهذا من نزغ الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريدك عاصيًا بمعصية مخصوصة، بل يريدك بعيدًا عن المنهج فقط، لكن النفس تريد معصية بعينها وتقف عندها، فإن رأيت معصية وقفت عندها نفسك، فاعلم أنها من نفسك، وإن امتنعت عليك معصية وتركتها، ثم فكرت في معصية ثانية. فهذا نزغ من الشيطان- ويقول الحق: {... فَأَتْبَعَهُ الشيطان فَكَانَ مِنَ الغاوين} [الأعراف: 175].
الغاوي والغَوِيّ هو من يضل عن الطريق وهو الممعن في الضلال، ونعلم أن الهدى هو الطريق الموصل للغاية، ومن يشذ عن الطريق الموصل للغاية يضل أو يتوه في الصحراء. وهو الذي يُسمى الغاوي، ومادام من الغاوين عن منهج الله فالفساد ينشأ منه لأنه فسد في نفسه ويفْسد غيره. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}.
أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} قال: هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن أبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: هو بلعم بن باعوراء. وفي لفظ: بلعام بن عامر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا...} الآية. قال: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم، تعلم اسم الله الأكبر، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل جديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه. قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخ مما كان فيه. وفي قوله: {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} قال: إن حمل الحكمة لم يحملها وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضًا لهث وإن طرد لهث.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه...} الآية. قال: هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن، وكان له امرأة له منها ولد فقالت: اجعل لي منها واحدة. قال: فلك واحدة، فما الذي تريدين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل. فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئًا آخر، فدعا الله أن يجعلها كلبة، فصارت كلبة، فذهبت دعوتان، فجاء بنوها فقالوا: ليس بنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه، فدعا الله فعادت كما كانت، فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو رجل يدعى بلعم من أهل اليمن، آتاه الله آياته فتركها.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} قال: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي. وفي لفظ: نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصلت.